سؤال عن استحباب تقصير الثوب وعلة ترك العلماء له

سؤال عن استحباب تقصير الثوب وعلة ترك العلماء له

السؤال:

السلام عليكم

هل الروايات الواردة في استحباب تقصير الثوب فوق الكعبين و كراهة تجاوزهما صحيحة عنهم عليهم السلام؟

– لماذا نجد قليل من العلماء يقومون بذلك؟

الجواب مختصرا:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

يستحب تشمير الثياب عن الأرض إلى أعلى الكعبين ويكره إطالتها، لكن الاستحباب مشروط بعدم المانع؛ كتحوله للباس شهرة في بعض الأزمنة أو البلاد – والمراد من الشهرة ما يُشهر به المرء ويذل وينتقص من مروءته فإنه لم يرخص للمؤمن أن يذل نفسه – ووصم فاعله بما لا يتحمل عند الناس ويكون فيه شدة حرج عليه كما هي في هذه الأعصار بل في عصر الأئمة عليهم السلام، ولهذا ترك الأئمة والصالحون والعلماء كثيرا من المستحبات وأخروا فعلها لزمان بحبوحة لا يشنع عليهم في فعله.

**************

وتفصيل الجواب:

قال تعالى: ( وثيابك فطهر )

وفسر بتقصير الثوب، ففي الصحيح عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع‏ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ‏ وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ، قَالَ فَشَمِّرْ.

وتشمير الثوب تقصيره.

والقميص كل ثوب يمتد من الكتفين إلى الساق أو القدم، كالثوب الذي يلبسه الناس اليوم، الطويل منه كما عند العرب، أو القصير إلى نصف الساق عند الهنود وغيرهم.

وأوضح ما روي هو ما رواه الكليني بسنده عن مُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ:

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: «إِنَّ عَلِيّاً عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ عِنْدَكُمْ، فَأَتى‏ بَنِي دِيوَانٍ‏، فَاشْتَرى‏ ثَلَاثَةَ أَثْوَابٍ بِدِينَارٍ: الْقَمِيصَ إِلى‏ فَوْقِ الْكَعْبِ، وَ الْإِزَارَ إِلى‏ نِصْفِ السَّاقِ، وَ الرِّدَاءَ مِنْ بَيْنِ‏ يَدَيْهِ إِلى‏ ثَدْيَيْهِ، وَ مِنْ خَلْفِهِ إِلى‏ أَلْيَتَيْهِ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَلَمْ يَزَلْ‏ يَحْمَدُ اللَّهَ عَلى‏ مَا كَسَاهُ حَتّى‏ دَخَلَ مَنْزِلَهُ» ثُمَّ قَالَ: «هذَا اللِّبَاسُ الَّذِي يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَلْبَسُوهُ».

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «وَ لكِنْ لَايَقْدِرُونَ أَنْ يَلْبَسُوا هذَا الْيَوْمَ، وَ لَوْ فَعَلْنَا لَقَالُوا:

مَجْنُونٌ، وَ لَقَالُوا: مُرَاءٍ، وَ اللَّهُ تَعَالى‏ يَقُولُ: «وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ» قَالَ‏: وَ ثِيَابَكَ ارْفَعْهَا، وَ لَا تَجُرَّهَا، وَ إِذَا قَامَ قَائِمُنَا كَانَ هذَا اللِّبَاسَ‏».

قال الفیض في الوافي: «في الحديث دلالة على أنّه ينبغي عدم الإتيان بما لا يستحسنه الجمهور و إن كان مستحبّاً، كالتحنّك بالعمامة في بلادنا، مع كراهية شهرة اللباس».

وفي خبر الكافي بسنده عن الصادق عليه السلام في حديث: قَالَ: «إِنَّ أَبِي قَالَ: مَا جَاوَزَ الْكَعْبَيْنِ فَفِي النَّارِ».

وحمل على الكراهة، فإذا اقترن بالمحرم صار حراما.

وليست العلة الوحدية في تشمير الثياب اتقاء القذارات، بل النهي عن الخيلاء والعجب والكبر؛ ففي الصحيح عن أَبِي بَصِيرٍ:

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَوْصى‏ رَجُلًا مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، فَقَالَ لَهُ‏: إِيَّاكَ وَ إِسْبَالَ الْإِزَارِ وَ الْقَمِيصِ؛ فَإِنَّ ذلِكَ مِنَ الْمَخِيلَةِ، وَ اللَّهُ لَايُحِبُّ الْمَخِيلَةَ» أي الكُبر.

ولهذا نهي أيضا عن إطالة ذراع القميص، فعَنِ ابْنِ الْقَدَّاحِ‏:

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: «كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذَا لَبِسَ الْقَمِيصَ مَدَّ يَدَهُ، فَإِذَا طَلَعَ عَلى‏ أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ قَطَعَهُ».

ومن العلل أن فيه تشبها بالنساء؛ ففي الموثق عن سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ:

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي‏ الرَّجُلِ يَجُرُّ ثَوْبَهُ، قَالَ: «إِنِّي لَأَكْرَهُ أَنْ يَتَشَبَّهَ بِالنِّسَاءِ».

فالحاصل:

أنه يستحب تشمير الثياب عن الأرض إلى أعلى الكعبين ويكره إطالتها، لكن الاستحباب مشروط بعدم المانع؛ كتحوله للباس شهرة في بعض الأزمنة أو البلاد – والمراد من الشهرة ما يُشهر به المرء ويذل وينتقص من مروءته فإنه لم يرخص للمؤمن أن يذل نفسه – ووصم فاعله بما لا يتحمل عند الناس ويكون فيه شدة حرج عليه كما هي في هذه الأعصار بل في عصر الأئمة عليهم السلام.

العريبي 13/4/2019 – 7 شعبان 1440 هـ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.