الباب الثامن: باب تأكد استحباب تقديم صلاة الجمعة والظهر في أول وقتها ، وجواز الاعتماد فيه على المؤذّنين

فقه – صلاة الجمعة – 7 ذي القعدة 1437 هـ / 11-8-2016 م – محمد العريبي

لتحميل الدرس PDF: من هنا

8 – باب تأكد استحباب[1] تقديم صلاة الجمعة والظهر في أول وقتها ، وجواز الاعتماد فيه على المؤذّنين

[ 9449 ] 1 – محمد بن يعقوب ، عن عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن

__________________

(1) التهذيب 3 : 23 | 79.

2 – التهذيب 3 : 23 | 80 ، أورد قطعة منه في الحديث 2 من الباب 4 من هذه الأبواب.

(1) الفقيه 1 : 274 | 1257.

الباب 8

فيه 21 حديثاً

1 – الكافي 3 : 274 | 2 ، أورده في الحديث 1 من الباب 7 من أبواب المواقيت.

 

عيسى ، وعن[2] محمّد بن الحسن بن علان (1)[3] جميعاً ، عن حماد بن عيسى ، وصفوان بن يحيى ، عن ربعي بن عبدالله و[4]فضيل بن يسار جميعاً ، عن أبي جعفر 7 قال : إن من الأشياء أشياء موسعة وأشياء مضيقة ، فالصلاة مما وسع فيه ، تقدم مرة وتؤخر أخرى ، والجمعة مما ضُيِّق فيها ؛ فإن وقتها يوم الجمعة ساعة تزول[5] ، ووقت العصر فيها وقت الظهر في غيرها.

[ 9450 ] 2 – وعن علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن الحسن بن شمون[6] ، عن عبدالله بن القاسم[7] ، عن مسمع أبي سيار[8] قال : سألت أبا عبدالله 7 عن وقت الظهر في يوم الجمعة في السفر؟ فقال : عند زوال الشمس ، وذلك وقتها يوم الجمعة في غير السفر[9].

[ 9451 ] 3 – محمد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر ابن اُذينة ، عن زرارة قال : سمعت أبا جعفر 7 يقول : إن من الأمور أُموراً مضيقة وأمورا موسعة ، وإن الوقت وقتان ، والصلاة مما فيه السعة ، فربما عجل رسول الله 9 وربما أخر إلا صلاة الجمعة ، فإن صلاة الجمعة من الأمر المضيَّق[10] ، إنما لها وقت واحد حين تزول ، ووقت العصر يوم الجمعة وقت الظهر في سائر الأيام[11].

[ 9452 ] 4 – وعنه ، عن النضر ، عن عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله 7 قال : كان رسول الله 9 يصلي الجمعة[12] حين تزول الشمس قدر شراك[13] ، ويخطب في الظل الأول[14] ، فيقول[15] جبرئيل : يا محمد ، قد زالت الشمس فانزل فصل ، وإنما جعلت الجمعة ركعتين من أجل

__________________

(1) كذا في المصدر ، ويحتمله الأصل ، لكن جاء في بعض النسخ : زعلان ، و : ( بن زعلان ).

2 – الكافي 3 : 431 | 2.

3 – التهذيب 3 : 13 | 46.

4 – التهذيب 3 : 12 | 42 ، أورد صدره في الحديث 1 من الباب 15 وذيله في الحديث 4 من الباب 6 من هذه الأبواب.

 

الخطبتين ، فهي صلاة حتى ينزل الإمام[16].

 

[1] الصحيح: باب وجوب المبادرة لإقامة صلاة الجمعة أول الوقت.

والقول باستحباب تقديمها أول الوقت خلاف الظاهر، بل صريح قوله ع في الحصر: ” فإن صلاة الجمعة من الأمر المضيَّق ، إنما لها وقت واحد حين تزول “، نفي السعة فيها وحالتي الاختيار والاضطرار من قسمي أوقات باقي الفرائض، وعليه فلا يجوز تأخيرها عن الزوال إلا بما اقتضته العادة دون إمهال.

[2] في الكافي: ( عن )، غير معطوفة.

[3] في بعض نسخ الكافي والوافي: «محمّد بن الحسن زعلان». وهو مجهول لم يذكر.

ورود أحمد عن محمد بن الحسن الأشعري في ح1 من ب ميراث الإخوة والأخوات مع الولد، وهو محمد بن الحسن بن أبي خالد القمي الأشعري كما في رجال الشيخ ر5439، وروى عن الرضا والجواد، قليل الرواية.

وروى أحمد عن علي بن مهزيار عن الأشعري المذكور، ولم يغمز فيه، فلا بأس بحديثه ما لم يتفرد به.

[4] في الكافي: عن فضيل بن يسار، بدون عطف.

[5] وظاهره أن النظر في التضييق هنا من جهة وجوب إقامتها أول الوقت، لا في وقت إجزائها وامتدادها.

[6] واقفي ثم غلا، روى كثيرا عن شيخه الأصم من رؤوس الغلاة.

[7] الصحيح -بقرينة رواية ابن شمون- أنه عبد الله بن عبد الرحمن الأصم البطل، من رؤساء المغالين والكذابين البصريين.

[8] مسمع بن عبد الملك، وهو كردين، المسمعي، وذكره النجاشي قال: ( أبو سيار الملقب كردين )، وفي فهرست الشيخ كردين بن مسمع، وليس ابنه بل وهم الشيخ؛ روى كتابه بطريق الأصم وهو طريق النجاشي وهو المعهود في الأخبار.‏

وما يرويه عنه أهل الغلو لا يقبل، وكذا ما تفرد به أو أرسل عنه، إلا بقرينة.

[9] محمولة على من وجبت عليه الظهر أو خير بينها والجمعة، ووقتها أي أوله؛ بقرينة ما ورد في اتساع زمانها، وظاهرها إرادة دفع توهم أن يكون محضورا الصلاة في أول وقت الجمعة مطلقا لاختصاصة بفريضة الجمعة، فتكون الرواية أدل على ارتكاز حكم وجوب المبادرة للجمعة أول الوقت.

[10] أي ليس له وقت اضطراري واختياري، بل وقت واحد وهو أول الزوال.

[11] زمان امتداد صلاة الجمعة:

وفيها دلالة على امتداد وقت صلاة الجمعة من أول الوقت بمقدار أداء نافلة الظهر أو قدمان المساوي للذراع وهو مقدار الشاخص في الأخبار، وبعده يبدأ وقت صلاة الظهر في غير يوم الجمعة، والعصر في يوم الجمعة.

روى الصدوق بِإِسْنَادِهِ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: ” سَأَلْتُهُ عَنْ وَقْتِ الظُّهْرِ، فَقَالَ: ذِرَاعٌ مِنْ زَوَالِ الشَّمْسِ، وَ وَقْتُ الْعَصْرِ ذِرَاعان مِنْ وَقْتِ الظُّهْرِ فَذَاكَ أَرْبَعَةُ أَقْدَامٍ مِنْ زَوَالِ الشَّمْسِ، ثُمَّ قَالَ إِنَّ حَائِطَ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ ص كَانَ قَامَةً وَ كَانَ إِذَا مَضَى مِنْهُ ذِرَاعٌ صَلَّى الظُّهْرَ وَ إِذَا مَضَى مِنْهُ ذِرَاعَانِ صَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ قَالَ: أَ تَدْرِي لِمَ جُعِلَ الذِّرَاعُ وَ الذِّرَاعَانِ ؟ قُلْتُ: لِمَ جُعِلَ ذَلِكَ ؟ قَالَ: لِمَكَانِ النَّافِلَةِ، لَكَ أَنْ تَتَنَفَّلَ مِنْ زَوَالِ الشَّمْسِ إِلَى أَنْ يَمْضِيَ ذِرَاع‏ “، الحديث، وفي صحيح مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: ” قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع: إِذَا دَخَلَ وَقْتُ الْفَرِيضَةِ أَتَنَفَّلُ أَوْ أَبْدَأُ بِالْفَرِيضَةِ ؟ فَقَالَ: إِنَّ الْفَضْلَ أَنْ تَبْدَأَ بِالْفَرِيضَةِ، وَ إِنَّمَا أُخِّرَتِ الظُّهْرُ ذِرَاعاً مِنْ عِنْدِ الزَّوَالِ مِنْ أَجْلِ صَلَاةِ الْأَوَّابِينَ “.

والقامة سبعة أقدام أو قريبا من أربعة أذرع إذا فسرت بقامة الرجل كما عند باقي الطوائف، وهي الشاخص إذا فسرت بالوارد عن أبي حمزة عن أبي بصير في مسألته الصادق ع، وكل ذراع قدمان سبعي الشاخص، وفي صحيحة الفضلاء عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع أَنَّهُمَا قَالا: ” وَقْتُ الظُّهْرِ بَعْدَ الزَّوَالِ قَدَمَانِ وَ وَقْتُ الْعَصْرِ بَعْدَ ذَلِكَ قَدَمَانِ “.

وفي معتبرة إِسْمَاعِيلَ الْجُعْفِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: ” كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص إِذَا كَانَ فَيْ‌ءُ الْجِدَارِ ذِرَاعاً صَلَّى الظُّهْرَ وَ إِذَا كَانَ ذِرَاعَيْنِ صَلَّى الْعَصْرَ، قَالَ: قُلْتُ: إِنَّ الْجِدَارَ يَخْتَلِفُ بَعْضُهَا قَصِيرٌ وَ بَعْضُهَا طَوِيلٌ، فَقَالَ: كَانَ جِدَارُ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ ص يَوْمَئِذٍ قَامَة “.

وفسر في رواية عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: ” قَالَ لَهُ أَبُو بَصِيرٍ: كَمِ الْقَامَةُ ؟ قَالَ: فَقَالَ: ذِرَاعٌ؛ إِنَّ قَامَةَ رَحْلِ رَسُولِ اللَّهِ ص كَانَتْ ذِرَاعاً “، ولعله اختلط لفظ ( رحل ) و ( رجل )، فقيل أنه ذراعين من قامة رجل.

[ الاحتمالات في وقت صلاة الجمعة باختلاف التحديدات ]

فوقت صلاة الجمعة من أول الزوال إلى ذراع وهو -طول الشاخص- من الفيء، والفيء الظل المنحدر المتراجع من الغرب إلى جهة المشرق بعد الزوال، وهو قوله تعالى يصف قدرته: ( أَلَم تَرَ إِلىٰ رَبِّكَ كَيفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَو شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِنًا ثُمَّ جَعَلنَا الشَّمسَ عَلَيهِ دَليلًا ، ثُمَّ قَبَضنٰهُ إِلَينا قَبضًا يَسيرًا )، وهو آخر وقت الفضيلة، ويبدا بعده وقت فضيلة العصر ويمتد مثله ذراع ثان مثلي الشاخص.

وذيل الصحيحة كاشف عن أن جعل المقياس طريقي لا موضوعية له، والغرض منه التيسير؛ لأن الزمان في الحقيقة لأداء النافلة قبل أداء الصلاة، خاصة للجماعة؛ إمهالا للمأمومين، وهي موضوعة للقدرة المتوسطة على ما هو منصرف إليه والجاري في كل تحديد؛ فإن بعض البلدان مما تسرع فيها الشمس وأخرى مما تبطء بحسب ميلها في أيام السنة وفصولها، ومنه تعرف قوة ما ذهب إليه الشيخ الفيض رحمه الله من تعيين وقت النافلة وأول فضيلة الظهر بحسب أداء ركعات التطوع قبلها، فمن فرغ من نوافله ابتدأت له وقت فضيلتها وفراغه إنما هو في هذا المقدار – أي ذراع أو شبرين أو قدمين وهو مثل الشاخص- من حركة الظل في تلك البلدان، ويقاس عليه قياسا مستندا لظاهر خبري زرارة هنا – في الجمعة ووقت فضيلة الظهر – لتعيين آخر وقت الجمعة الذي هو مقتضى جعل البدلية في قوله ع: “إنما لها وقت واحد حين تزول ، ووقت العصر يوم الجمعة وقت الظهر في سائر الأيام”، وتعيينه في الثاني بقوله: ” سَأَلْتُهُ عَنْ وَقْتِ الظُّهْرِ فَقَالَ: ذِرَاعٌ مِنْ زَوَالِ الشَّمْسِ “، فوقت الجمعة يمتد ذراعا من زوال الشمس وهو مقدار الفيء المساوي للشاخص بحسب المروي.

فتحديده بالساعات والدقائق يختلف باختلاف فصول وأيام السنة وميلان الشمس.

وأما ما رواه الشيخ في التهذيب عن محمد بن حكيم قال: «سمعت العبد الصالح (عليه السلام) و هو يقول: أن أول وقت الظهر زوال الشمس و آخر وقتها قامة من الزوال و أول وقت العصر قامة و آخر وقتها قامتان، قلت: في الشتاء و الصيف سواء؟ قال: نعم»، وهو محمول على آخر وقت الفضيلة بحسب تلك البقاع، لموثقة عبيد بن زرارة قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أفضل وقت الظهر، قال: ذراع بعد الزوال، قال: قلت: في الشتاء و الصيف سواء؟ قال: نعم»، وللاتفاق على أن وقتمها يمتد للغروب، واختصاص العصر بآخره على الخلاف المذكور فيه.

 

أو يعتد بحساب ذراع مطلقا، وهو مقدار الشاخص القامة في المروي، والذراع على ما حسبناه متوسطا 50 سنتيمترا، وكل درجة للشمس تساوي سنتيمترا حسب ظني، وهي 3 دقائق تقريبا، فمقدار درجات حركة ظل الشمس بالزمان يساوي 50 * 3 = 150 دقيقة تقريبا، أي ساعتان ونصف، غير أنك عرفت أنه ينضبط في مواضع من أرض دون غيرها.

وإذا كان بمقدار الإمهال لأداء النوافل كاملة، وهي ثمان ركعات، وكل ركعة أقصاها دقيقتان، فزمان صلاة الجمعة لا يتعدى الثلث ساعة، غير أن له أن يمد فيها بدلالة معتبرة ْ عُمَرَ بْنِ حَنْظَلَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: ” إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ دَخَلَ وَقْتُ الظُّهْرِ إِلَّا أَنَّ بَيْنَ يَدَيْهَا سُبْحَةً، وَ ذَلِكَ إِلَيْكَ إِنْ شِئْتَ طَوَّلْتَ وَ إِنْ شِئْتَ قَصَّرْتَ “، فإن تراخى فيها لخمس دقائق لكل ركعة بلغ وقت صلاة الجمعة أربعين دقيقة.

ولما كان الضبط مختلفا، وجب مراعاة التقريب الذي يناسب القدرة والفورية ليتم به حفظ الخطاب الشرعي عن اللغوية وسيرة النبي والمعصومين المنقولة في عدم التراخي عن إقامتها وعدم إقامتها في زمان بعيد، فأحوط منه تحديده بوقت خروج نافلة الظهر المروية، وهي بلوغ كل شاخص مثله وهو ذراع أو قدمان إن كان الشاخص ذراعا وبعدها يبدأ وقت الظهر حتى ذراع آخر يبدأ وقت العصر، فإِن تفاحش الزمان انقضى وقت الجمعة، ووجب أداء الظهر، والدقة في التوقيت لا يتاسب وما يفهم من اختلاف الروايات الكثيرة الصحيحة، فلابد من حملها على هذا المعنى.

نعم، روى الصدوق مرسلا عن أبي جعفر عليه السلام، والشيخ في مصباح المتهجد، قال: ” وَ رَوَى حَرِيزٌ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: أَوَّلُ وَقْتِ‏ الْجُمُعَةِ سَاعَةُ تَزُولُ الشَّمْسُ إِلَى أَنْ تَمْضِيَ سَاعَةٌ، تُحَافَظُ عَلَيْهَا؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ: لَا يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى عَبْدٌ فِيهَا خَيْراً إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ “.

والمراد من الساعة هنا مبهم بمعنى القطعة والمهلة من الزمان الذي يتوانى فيه؛ والظاهر منه إرادة مضي زمان إقامة الجمعة، لا الساعة بالدقائق أو بالفلك الشمسي المضبوط، وهذا استعمال شائع.

[12] أي يبدأ الصلاة بالخطبة ، ويؤيده قوله في آخر الرواية: ” فهي صلاة حتى ينزل الإمام ” وما يأتي من معنى قدر الشراك أنه كناية عن حدوث الزوال، أو المراد بها صلاة الركعتين؛ بقرينة المقابلة مع الخطبة بعدها، فقدم وأخر.

[13] شراك النعل هو سيره الذي يشد به ، وهل المراد عرضه أو طوله أو معنى يلازمه ؟، اختار الأول المجلسي في الروضة 2: 570، قال رحمه الله: ” ظاهره بل ظاهر الأخبار المتقدمة أيضا جواز الخطبة قبل الزوال، و أمكن أن يقال: الخطبة بمنزلة الصلاة و أطلق عليه الصلاة مجازا (أو) يكون المراد بقوله عليه السلام (حين تزول الشمس قدر شراك) أي بعد الشراك، و يكون قدر الشراك للخطبة و يخطب في الظل الأول أي في قدر الشراك و يكون المراد بقوله (قد زالت الشمس) زالت و مضت قدر الشراك لكنه بعيد بل الظاهر أن المراد بقدرك الشراك عرضه و الغرض من مضي هذا الزمان تيقن الزوال “.

ويأيده الحائري في صلاة الجمعة: 194-195، معللا أن: ” المقصود عرضه ، لأنّه المناسب لقول جبرئيل : « قد زالت الشمس » لا طوله الَّذي يكون ذلك بعد الزّوال بمدّة طويلة … إذ ليس المقصود طول الشّراك لأنّه ليس ممّا يقاس به الطَّول عرفا ، مع أنّ طول الشّراك مختلف بالنّسبة إلى فعل واحد ، مع أنّ كون أوّل الوقت في الجمعة محدودا بطول الشّراك ، ممّا لم يعهد في الأمّة الإسلاميّة . فالمقصود بحسب الظَّاهر بل المقطوع إنّما هو عرض الشّراك ، والمقصود من ذلك بيان العلم بالزّوال الَّذي لا يحصل نوعا إلَّا بذلك . فالظاهر أنّه كناية عن أوّل مرتبة يحصل بها العلم بالزّوال ، وليس لذلك موضوعيّة “.

وعن الطريحي في المجمع أنه كناية عن تحقق الزوال وتبينه بشاهد ظهور ظل شراك النعل في الحائط، قال في المجمع 5: 276 مادة (شرك): ” يعني إذا استبان الفي‏ء في أصل الحائط من الجانب الشرقي عند الزوال فصار في رؤية العين قدر الشراك. و هذا أقل ما يعلم به الزوال و ليس بتحديد. و الظل يختلف باختلاف الأزمنة و الأمكنة. و إنما يتبين ذلك في مثل مكة من البلاد التي يقل فيها الظل‏ “، وقد أخذه من نهاية ابن الأثير حيث قال في شرح حديث مشابه يروونه في النهاية 2: 467-468: ” ( أنه صلى الظهر حين زالت الشمس وكان الفيء بقدر الشراك ) الشراك أحد سيور النعل التي تكون على وجهها ، وقدره هاهنا ليس على معنى التحديد ، ولكن زوال الشمس لا يبين إلا بأقل ما يرى من الظل ، وكان حينئذ بمكة هذا القدر . والظل يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة ، وإنما يتبين ذلك في مثل مكة من البلاد التي يقل فيها الظل . فإذا كان أطول النهار واستوت الشمس فوق الكعبة لم ير لشئ من جوانبها ظل ، فكل بلد يكون أقرب إلى خط الاستواء ومعدل النهار يكون الظل فيه أقصر ، وكل ما بعد عنهما إلى جهة الشمال يكون الظل [ فيه ] أطول “، وابن الأثير أخذه ممن تقدمه أيضا، والرواية من ألفاظ سنن النسائي، ولفظ في سنن الترمذي ح  149  بسنده عن: ” نافع بن جبير بن مطعم قالك أخبرني ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أمني جبريل عليه السلام عند البيت مرتين؛ فصلى الظهر في الأولى منهما حين كان الفيء ( مثل ) الشراك، ثم صلى العصر حين كان كل شيء ( مثل ) ظله ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس … ثم التفت إلي جبريل فقال يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك والوقت فيما بين هذين الوقتين ” ، وحملها على الكناية عن تحقق الزوال هنا فيه بعض البعد.

غير أن معناه في الكناية والتمثيل عن الزوال بظهور أقل ما يبين ظله جيد، وعليه جرى كلام العرب في التمثيل عن الشيء القليل والاستعمال في موارد التشبيه، منه ما حكاه المعتزلي في شرح النهج ( 5: 208 ) من لفظ كتاب نصر في حديث صفين: ” قال نصر: … ثم مشى نحو الكلاعي فلحقه هرم بن شتير … الحديد مفرغ على الكلاعي ، لا يبين من نحره إلا مثل شراك النعل من عنقه بين بيضته ودرعه ، فضربه الكلاعي ، فقطع جحفته إلا نحوا من شبر “.

أقول: أما على معنى قدر طول شرك نعل فالأظهر والمنصرف إليه، هو امتداده على وجه الحذاء لا طول نفس السير لأنه لا يقاس به من قبيل تسمية الشيء باسم جزئه، فالمعنى أنه يبدأ الصلاة إذا تحرك الظل قدر شراك طولا بعد الزوال وهو شبر و أقل من قدم من الشاخص، والشاخص المقصود ذراع أو قدمان على الأقوى المروي آنفا، فالشراك أقل من نصف ذراع ويساوي أقل من نصف الشاخص؛ وهذا يدل على أن السنة على تنصيف وقت الجمعة الذي آخره ذراع وهو أن يكون ظل شيء مثله، فيخطب في الظل الأول بعد الزوال، ويكون الظل الثاني شبرا أو قدما آخر وهو النصف الباقي من الذراع، يبدأ عنده صلاة الجمعة، حتى يكون ظل كل شيء مثله وينتهي وقتها.

وأما على المعنى الكنائي فالمعنى جيد إلا أن قوله بعدها : ” فإذا زالت الشمس ” لا يتناسب معه.

[14] قيل الظل هو ما يكون قبل الزوال، وبعده فيء؛ والصحيح أنه في الاستعمال أعم؛ فكل فيء ظل وليس كل ظل فيئا، ويحتمل أن يكون في التعبير تقديم وتأخير، وحقه: يخطب في الظل الأول ويصلي الجمعة إذا زالت الشمس قدر ذراع.

والظل الأول هو أول طلوع للظل، كما في كشاف إصلاحات الفنون 2: 1150 ( الظل)، في قبال الظل الثاني، قال: ” ثم الظل قسمان … ويسمى بالظل الأول لابتدائه في أول طلوع النير … ويقال له الظل المطلق، والظل الثاني يستخدم في معرفة الأوقات ” ، ولم أعثر على استعمال آخر أقرب من هذا وأنسب المقام.

[15] العطف هنا لا يتناسب ومعنى الزوال المصطلح؛ فيحمل الزوال على زوال الشمس عن الظل الأول وتحركها، ولا يكون أولا إلا بتقدمه وليس هو إلا الفيء الحادث بعد الزوال حتى يبلغ مقدار مقدار شرك نعل نصف ذراع، ثم ينزل النبي ص من خطبته ويصلي في النصف الآخر، هذا هو الظاهر.

[16] الرواية من متفردات الشيخ عن كتاب الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن عبد الله بن سنان، ومع أن الكليني روى أخبار عبد الله بن سنان بنفس الطريق إلا أنه أهمل الرواية، وكذلك الصدوق في الفقيه ولعله تابع الكليني لنظره غالبا لكتابه.

وطريق الشيخ  لروايات الحسين بن سعيد في مشيخته هو: ” الشيخ ابو عبد اللّه محمد بن محمد بن النعمان و الحسين بن عبيد اللّه و احمد بن عبدون‏ كلهم عن احمد بن محمد بن الحسن بن الوليد عن ابيه محمد بن الحسن بن الوليد و اخبرنى به أيضا ابو الحسين ابي جيد القمي عن محمد بن الحسن بن الوليد عن الحسين بن الحسن بن ابان‏ عن الحسين بن سعيد، و رواه أيضا محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن احمد بن محمد عن الحسين بن سعيد “وقريب منها في الفهرست، وليس فيه من لا يعتمد عليه عند الشيخ، كما أنه ذكر في الفهرست أن كتب الحسين رووها عن خطه، قال في الفهرست: ” قال ابن الوليد: و أخرجها إلينا الحسين بن الحسن بن أبان بخط الحسين بن سعيد و ذكر أنه كان ضيف أبيه‏ “، فالرواية مثبتة في كتاب الحسين.

نعم، روي ما نحو لفظها في الأصول الموجودة [ الأصول الستة عشر ( ط دار الحديث): 292/ ح45 ] مما عثر عليه من كتاب درست بن منصور عن عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْحَلَبِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ” كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الظِّلِّ الْأَوَّلِ، فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ أَتَاهُ جَبْرَئِيلُ، فَقَالَ لَهُ: قَدْ زَالَتِ الشَّمْسُ انْزِلْ فَصَل‏ “.

وليس في أخبارنا ما يوافق لفظها إلا ذيل صحيحة ابن سنان الذي روي عن أمير المؤمنين ع وهو قوله: “إنما جعلت الجمعة ركعتين ” الحديث كما في الفقيه، وتقدم أن متنها يشبه الخبر المروي في سنن الترمذي والنسائي وغيرهم حتى حديث جبرئيل في تعليم الصلاة وأوقاتها.

 

ويمكن القول: أن المراد من صحيحة عبد الله بن سنان هو أنه صلى الله عليه وآله يخطب الناس أول ظهور الظل من الزوال الذي سماه الظل الأول، فإذا انشغل بالخطبة أعانه جبرئيل وأنبأه أن الزوال وضح وتمكن بزوال الشمس بالكلية عن مركزها في السماء وعلامته ظهور ظل شراك النعل، فنزل وصلى ركعتي الجمعة؛ فإنه لا يصليها حتى تسبين بهذا المقدار.

ومع كل هذا فغرابة لفظه وتركيبه لا يوقفك على معنى ظاهر يجزم به، فلحوقه بالمجملات متعين.