فيما يلحق بالنكاح من أحكام
فقه – النكاح – محمد العريبي – 20-27 ذو القعدة 1437 هـ / 24-31 – 8 – 2016 م
للتحميل: من هنا
فيما يرد به النكاح
في العيوب:
والفرض فيها عدم العلم بالعيب قبل العقد، وهو تارة عن تدليس وأخرى عن عدم قصد إليه، والمشهور حصرها في عناوين مخصوصة.
أجمع روايات العيوب:
والاحتمالات في أدلة العيوب أربعة:
الأول: أن يكون الحصر في بعض الأدلة حقيقيا، ويحمل الآخر على استحباب الإمساك كما عن الشيخ في التهذيب.
الثاني: أن يكون الحصر فيها إضافيا نسبيا ويثبت في غيرها تعبدا؛ لدلالة الروايات الأخر على ثبوت الرد بغيرها أيضا.
الثالث: أن تكون العناوين للتمثيل لعيوب الفرج كالعفل والأمراض الموروثة الظاهرة كالبرص والمعدية كالجذام ونقص العقل كالجنون، ولا موضعية لعناوينها؛ لدلالة بعض الروايات على أن المناط في الحكم هو كون المرأة من أهل الزمانات الموجبة لنفرة الزوج من جماعها، وبناء على كون الحصر في العيوب إضافي وليس حقيقيا.
الرابع: أن تكون العناوين للتمثيل كالسابق إلا أن المناط في الحكم هو الضرر والنقص مطلقا، على الرجل في شأنه وطلبته وعلى المرأة أيضا؛ لدلالة روايات الفسخ المتعلقة بالشأنية، كالذي رواه النَّضْرُ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: ” قَضَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع فِي الْمَرْأَةِ إِذَا أَتَتْ إِلَى قَوْمٍ وَ أَخْبَرَتْ أَنَّهَا مِنْهُمْ وَ هِيَ كَاذِبَةٌ وَ ادَّعَتْ أَنَّهَا حُرَّةٌ فَتَزَوَّجَتْ أَنَّهَا تُرَدُّ إِلَى أَرْبَابِهَا وَ يَطْلُبُ زَوْجُهَا مَالَهُ الَّذِي أَصْدَقَهَا وَ لَا حَقَّ لَهَا فِي عُنُقِهِ وَ مَا وَلَدَتْ مِنْ وَلَدٍ فَهُمْ عَبِيدٌ “.
وما رواه النَّضْرُ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: ” قَضَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع فِي امْرَأَةٍ حُرَّةٍ دَلَّسَ عَلَيْهَا عَبْدٌ فَنَكَحَهَا وَ لَا تَعْلَمُ أَنَّهُ عَبْدٌ بِالتَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا إِنْ شَاءَتِ الْمَرْأَةُ “.
والفاصل في المسألة هي الأدلة.
أما ما روي في عيوب المرأة:
وهي عيوب مخصوصة بالشرع، لا مطلق العيب لغة، ولا الذي ترد به الجارية والأمة في أحكام العيوب مثل ما ذكر فيها أن كل ما زاد أو نقص ممّا هو في أصل الخلقة فهو عيب، وأنّ الجارية إذا كانت مدركة فلم تحض ومثلها تحيض فهذا عيب تردّ منه، وأنّ من اشترى جارية فوطأها ثمّ وجد فيها عيباً يأخذ الأرش، وأنّ من اشترى جارية فوطأها ثمّ علم أنّها كانت حبلى يردّها ويردّ معها نصف عُشر قيمتها، فإنه أعم من المقصود في النكاح.
والأدلة في مسألتنا على طوائف:
1- ما دل على الحصر في الأربعة: البرص والجذام والجنون والعفل
- صحيحة الحلبي ومحمد بن مسلم: حصرها في الأربعة
ما رواه صاحب النوادر عن ابْنُ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ عَنِ الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع أَنَّهُ قَالَ: ” فِي الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ إِلَى قَوْمٍ فَإِذَا امْرَأَتُهُ عَوْرَاءُ وَ لَمْ يُبَيِّنُوا لَهُ، قَالَ: لَا يُرَدُّ؛ إِنَّمَا يُرَدُّ النِّكَاحُ مِنَ الْبَرَصِ وَ الْجُذَامِ وَ الْجُنُونِ وَ الْعَفَلِ[1]، قُلْتُ: أَ رَأَيْتَ إِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا كَيْفَ يَصْنَعُ بِمَهْرِهَا ؟ قَالَ: لَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا وَ يُغَرَّمُ وَلِيُّهَا الَّذِي أَنْكَحَهَا مِثْلَ مَا سَاقَ لَهَا “[2].
رواه في باب ( التدليس في النكاح وما ترد به المرأة )، ولم يفرد بابا لعيوب الرجل بعده.
ورواه الشيخ بسند لا يخلو عن إشكال، رواه بسنده قال: “عن رَوَى الْحُسَيْنُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنِ الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: إِنَّمَا يُرَدُّ النِّكَاحُ مِنَ الْبَرَصِ وَ الْجُذَامِ وَ الْجُنُونِ وَ الْعَفَلِ“[3].
وتوسط راو بين الحسين بن سعيد وابن أبي عمير نادر أو لم يقع في إسناد، واحتمل شيخنا السيد الزنجاني التصحيف وأن أصل الرواية عن الحسين بن سعيد و علي بن إسماعيل ابن مهزيار، وهو غير بعيد.
وفي الفقيه رواه عن الحلبي مثله، ثم رواه بإسناد السؤال لمحمد بن مسلم ولم يذكر العفل، قال فيه: ” وسَأَلَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ أَبَا جَعْفَرٍ ع عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ إِلَى قَوْمٍ امْرَأَةً فَوَجَدَهَا عَوْرَاءَ وَ لَمْ يُبَيِّنُوا، أَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا ؟، قَالَ: لَا يَرُدَّهَا، إِنَّمَا يُرَدُّ النِّكَاحُ مِنَ الْجُنُونِ وَ الْجُذَامِ وَ الْبَرَصِ، قُلْتُ: أَ رَأَيْتَ إِنْ دَخَلَ بِهَا كَيْفَ يَصْنَعُ ؟ قَال:َ لَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا وَ يَغْرَمُ وَلِيُّهَا الَّذِي أَنْكَحَهَا مِثْلَ مَا سَاقَهُ “[4].
ورواه الكليني بغير أداة الحصر في الكافي عن عَلِيّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنِ الْحَلَبِيِّ:
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ إِلى قَوْمٍ، فَإِذَا امْرَأَتُهُ عَوْرَاءُ[5]، وَ لَمْ يُبَيِّنُوا لَهُ؟
قَالَ[6]: «يُرَدُّ النِّكَاحُ مِنَ الْبَرَصِ، وَ الْجُذَامِ، وَ الْجُنُونِ، وَ الْعَفَلِ[7]».[8]
وهي وإن لم تكن صريحة في الحصر بأداة الحصر كسابقاتها؛ لكن الحصر مفهوم من إرادة التعليم، فينعقد لها إطلاق مقامي يدل على انحصار الفسخ بهذه العيوب الأربعة لا غير، هذا إذالم تلحظ باقي الأخبار الدالة على الرد بعيوب أخرى، فيكون الحصر الإضافي محتملا.
وأما دلالتها الإطلاقية للرجل والمرأة فلا يمكن إثباتها مع الشك؛ لوقوعها في سياق السؤال عن حكم عيب المرأة ، ولذكر عيب العفل وهو في المرأة خاصة، وكونها للمشترك بين الرجل والمرأة كل بحسبه بعيد غير ظاهر.
ويؤيد اختصاص الرواية بالمرأة ما رواه الكليني وغيره مما يتفق مع هذه الصحيحة من الروايات المتعددة، فلا يمكن التعدي عن المورد إلا بقرينة.
- صحيحة معاوية بن وهب: ترد من الأربعة وما سوى ذلك فلا
ما رواه الشيخ عن الْحُسَيْنُ بْنُ سَعِيدٍ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبَانٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: ” سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَعَلِمَ بَعْدَ مَا تَزَوَّجَهَا أَنَّهَا قَدْ كَانَتْ زَنَتْ، قَالَ: إِنْ شَاءَ زَوْجُهَا أَخَذَ الصَّدَاقَ مِمَّنْ زَوَّجَهَا وَ لَهَا الصَّدَاقُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا وَ إِنْ شَاءَ تَرَكَهَا، قَالَ: وَ تُرَدُّ الْمَرْأَةُ مِنَ الْعَفَلِ وَ الْبَرَصِ وَ الْجُذَامِ وَ الْجُنُونِ، فَأَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ فَلَا “.
ورواها في النوادر عن عَلِيُّ بْنُ النُّعْمَانِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: ” سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَعَلِمَ بَعْدَ مَا تَزَوَّجَهَا أَنَّهَا كَانَتْ زَنَتْ، قَالَ: إِنْ شَاءَ أَخَذَ الصَّدَاقَ مِمَّنْ زَوَّجَهَا وَ لَهَا الصَّدَاقُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا وَ إِنْ شَاءَ تَرَكَهَا “[9][10].
وفي النوادر مثلها، ورواها الكليني عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن معاوية بن وهب مثله.
واستظهر الشيخ في التهذيب أن الرجوع بالمهر لا يستلزم الرد، وأن الحصر في الأربعة المذكورات له الرد منها على كل حال، والثلاثة الباقية الآتي ذكرها فالأفضل له إمساك المرأة، قال في التهذيب: ” لَيْسَ هَذَا الْخَبَرُ مُنَافِياً لِمَا قَدَّمْنَاهُ لِأَنَّهُ إِنَّمَا قَالَ إِذَا عَلِمَ أَنَّهَا كَانَتْ قَدْ زَنَتْ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى وَلِيِّهَا بِالصَّدَاقِ وَ لَمْ يَقُلْ إِنَّ لَهُ رَدَّهَا وَ لَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ لَهُ اسْتِرْجَاعُ الصَّدَاقِ وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّ الْعَقْدِ لِأَنَّ أَحَدَ الْحُكْمَيْنِ مُنْفَصِلٌ مِنَ الْآخَرِ فَأَمَّا قَوْلُهُ فَأَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ فَلَا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ رَدٌّ بِمُجَرَّدِ الْفِسْقِ وَ لَيْسَ يُنَافِي أَيْضاً مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ لَهُ رَدَّ الْعَرْجَاءِ وَ الْمُفْضَاةِ وَ الْعَمْيَاءِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ الْأَشْيَاءِ مِمَّا لَهُ الرَّدُّ مِنْهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ وَ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ الْأَشْيَاءِ الْأُخَرِ وَ إِنْ كَانَ لَهُ الرَّدُّ مِنْهَا فَالْأَفْضَلُ لَهُ إِمْسَاكُهُنَّ وَ لَا يَرُدَّهُنَّ مِنْهَا فَأَمَّا”[11].
وقال في الاستبصار مختصرا لما قاله في التهذيب: ” فَلَيْسَ هَذَا الْخَبَرُ مُنَافِياً لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلًا؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا قَالَ إِذَا عَلِمَ أَنَّهَا كَانَتْ زَنَتْ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى وَلِيِّهَا بِالصَّدَاقِ وَ لَمْ يَقُلْ إِنَّ لَهُ رَدَّهَا، وَ لَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ لَهُ اسْتِرْجَاعُ الصَّدَاقِ وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّ الْعَقْدِ لِأَنَّ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ مُنْفَصِلٌ مِنَ الْآخَرِ “[12]، وهو جيد.
وروى آخره الشيخ بسند آخر عن مُحَمَّد بْن يَعْقُوب عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ مُوسَى عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: ” تُرَدُّ الْمَرْأَةُ مِنَ الْعَفَلِ وَ الْبَرَصِ وَ الْجُذَامِ وَ الْجُنُونِ، وَ أَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ فَلَا “.
ولم يخرجه الكليني في الكافي في النسخ الواصلة إلينا ! .
- صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله: ترد من أربعة أشياء ما لم يقع عليها
ما رواه الكليني عن أَبي عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ:
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: «الْمَرْأَةُ تُرَدُّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: مِنَ الْبَرَصِ، وَ الْجُذَامِ، وَ الْجُنُونِ، وَ الْقَرَنِ -وَ هُوَ الْعَفَلُ[13]– مَا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا، فَإِذَا وَقَعَ عَلَيْهَا فَلَا».[14]
ومثله ما أرسله صاحب الدعائم، قال:
وَ عَنْ عَلِيٍّ ص أَنَّهُ قَالَ: ” تُرَدُّ الْمَرْأَةُ مِنَ الْقَرَنِ وَ الْجُذَامِ وَ الْجُنُونِ وَ الْبَرَصِ، فَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ وَ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَ إِنْ شَاءَ فَارَقَ، وَ يَرْجِعُ بِالْمَهْرِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ بِهَا وَ إِنْ كَانَتْ هِيَ الَّتِي غَرَّتْهُ رَجَعَ بِهِ عَلَيْهَا وَ تَرَكَ لَهَا أَدْنَى شَيْءٍ مِمَّا يُسْتَحَلُّ بِهِ الْفَرْجُ[15]، فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَارَقَهَا إِنْ شَاءَ وَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ “[16].
وليست صريحة في الحصر إلا على القول بأنها في مقام البيان، وليس ببعيد؛ لتكرره في الروايات الأخر.
كما أنه يحتمل أن يكون تفسير القرن بالعفل من كلام الراوي، والذي يظهر من كلمات أهل اللغة والوضع تغايرهما، والجامع بينهما هو كونهما من علل الفرج التي تمنع الوطء.
- خبر الدعائم: ترد من الجذام والبرص والجنون أو علة في الفرج
ما أرسله في الدعائم، قال: ” وَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: تُرَدُّ الْبَرْصَاءُ وَ الْمُجْذَمَةُ، قِيلَ فَالْعَوْرَاءُ ؟ قَالَ: لَا تُرَدُّ؛ إِنَّمَا تُرَدُّ الْمَرْأَةُ مِنَ الْجُذَامِ وَ الْبَرَصِ وَ الْجُنُونِ أَوْ عِلَّةٍ فِي الْفَرْجِ تَمْنَعُ مِنَ الْوَطْءِ “[17].
والحاصل: أن الروايات السابقة مما يورث العلم بصدورها على نحو الحصر صريحا أو ظاهرا، والكلام في توسعة عناوينها كما في الخبر الأخير دلالة عليه في مثل العفل، فيكون الحصر فيها إضافيا لا حقيقيا، والغرض منه التمثيل بأبرز المصاديق المبتلى بها، فإن ثبت هذا بدليل وإلا عمل بالحصر في الأربع لا غير.
2- ما دل على الرد في أربعة أخرى:
- مرسلة الفقيه عن محمد بن مسلم
ما رواه الصدوق قال: رَوَى عَبْدُ الْحَمِيدِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع: ” تُرَدُّ الْعَمْيَاءُ وَ الْبَرْصَاءُ وَ الْجَذْمَاءُ وَ الْعَرْجَاءُ “[18].
ويأتي أنه رواه صاحب النوادر بسنده عن محمد مسلم وليس فيه العرجاء، وكذا رواه الشيخ عن الْحُسَيْن بْن سَعِيدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَمَاعَةَ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: ” تُرَدُّ الْبَرْصَاءُ وَ الْعَمْيَاءُ وَ الْعَرْجَاءُ “[19].
ولا يعمل بمتفردات الصدوق في هذا الكتاب لما ذكرنا من تصرفه في الألفاظ في كتب فتاويه بالرواية.
3- ما دل على الرد في الأقل:
- معتبرة زيد الشحام: ترد البرصاء والمجنونة والمجذومة
ما رواه الكليني عن عِدَّة مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ، عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ، عَنْ زَيْدٍ الشَّحَّامِ:
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: «تُرَدُّ الْبَرْصَاءُ وَ الْمَجْنُونَةُ وَ الْمَجْذُومَةُ».
قُلْتُ: الْعَوْرَاءُ ؟ قَالَ: «لَا».[20]
- صحيحة محمد بن مسلم: ترد البرصاء والعرجاء والعمياء
ما رواه في النوادر عن أَحْمَد بْن مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَمَاعَةَ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: ” تُرَدُّ الْبَرْصَاءُ وَ الْعَرْجَاءُ وَ الْعَمْيَاءُ “[21].
- مرسلة الفقيه عن محمد بن مسلم: ترد من الجنون والجذام والبرص
ومرت رواية الفقيه القريبة مما رواه عن الحلب ، أنه رواه بإسناد السؤال لمحمد بن مسلم ولم يذكر العفل، قال فيه: ” وسَأَلَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ أَبَا جَعْفَرٍ ع عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ إِلَى قَوْمٍ امْرَأَةً فَوَجَدَهَا عَوْرَاءَ وَ لَمْ يُبَيِّنُوا، أَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا ؟، قَالَ: لَا يَرُدَّهَا، إِنَّمَا يُرَدُّ النِّكَاحُ مِنَ الْجُنُونِ وَ الْجُذَامِ وَ الْبَرَصِ، قُلْتُ: أَ رَأَيْتَ إِنْ دَخَلَ بِهَا كَيْفَ يَصْنَعُ ؟ قَال:َ لَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا وَ يَغْرَمُ وَلِيُّهَا الَّذِي أَنْكَحَهَا مِثْلَ مَا سَاقَهُ “[22].
وحيث تفرد بها الصدوق فلا تقدم على لفظها المسند للحلبي في حصرها في الأربعة في الطائفة الأولى.
- معتبرة غياث بن إبراهيم: رد البرصاء والجذماء
ما رواه الشيخ في التهذيب بسنده عن مُحَمَّد بْن عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْخَزَّازِ عَنْ غِيَاثِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ ع: ” فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَوَجَدَهَا بَرْصَاءَ أَوْ جَذْمَاءَ قَالَ إِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَ لَمْ يُبَيَّنْ لَهُ فَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ وَ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَ لَا صَدَاقَ لَهَا وَ إِذَا دَخَلَ بِهَا فَهِيَ امْرَأَتُهُ “[23].
وحملها الشيخ على استحباب الإمساك في قبال ما دل على الحصر في الأربعة أعني العفل والبرص والجذام والجنون، وقال أن الطلاق محمول على الفراق بمعناه في أصل اللغة، وهو غير بعيد بل متعين بعد الجمع بين الأخبار.
- صحيحة داود بن سرحان: زيادة العمى والعرج
ما رواه الشيخ عن الْحُسَيْن بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ سِرْحَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ فَيُؤْتَى بِهَا عَمْيَاءَ أَوْ بَرْصَاءَ أَوْ عَرْجَاءَ قَالَ: ” تُرَدُّ عَلَى وَلِيِّهَا وَ يَكُونُ لَهَا الْمَهْرُ عَلَى وَلِيِّهَا، وَ إِنْ كَانَ بِهَا زَمَانَةٌ لَا يَرَاهَا الرِّجَالُ أُجِيزَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ عَلَيْهَا “[24].
ورواه في النوادر بلفظ السؤال عن أبي الصباح الكناني، قال: ” عَنِ ابْنِ النُّعْمَانِ عَنْ أَبِي الصَّبَّاحِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَأُتِيَ بِهَا عَمْيَاءَ أَوْ بَرْصَاءَ أَوْ عَرْجَاءَ، قَالَ: “تُرَدُّ عَلَى وَلِيِّهَا وَ يُرَدُّ عَلَى زَوْجِهَا الَّذِي لَهُ وَ يَكُونُ لَهَا الْمَهْرُ عَلَى وَلِيِّهَا، فَإِنْ كَانَتْ بِهَا زَمَانَةٌ لَا يَرَاهَا الرِّجَالُ أُجِيزَتْ شَهَادَةُ النِّسَاءِ عَلَيْهَا”[25].
وبزيادة العمى والعرج فيها دلت والمجموع على أن الحصر في الأربعة إضافي، ولابد من كون العرج مقيدا بكونه بينا معدودا في عرف الناس عيبا.
ولابد من جمع هذه الروايات مع الطائفة الأولى دفعا للتعارض، ولا شيء يدفعها إلا حمل الحصر هناك على كونه نسبيا إضافيا، ولابد من إبراز الغرض الداعي له فإنه لا يصح التبرع بالحمل دون الوقوف على دليل وشاهد عليه.
4- ما يدل على الرد بالأعم
- مرسلة عبد الله بن بكير: الجنون والبرص وما أشبه ذلك
ما رواه الكليني عن مُحَمَّد بْن يَحْيى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، قَالَ:
سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنِ الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ بِهَا الْجُنُونُ وَ الْبَرَصُ وَ شِبْهُ ذلِكَ ؟
قَالَ: «هُوَ ضَامِنٌ[26] لِلْمَهْرِ».[27]
وقوله: “وشبه ذلك” ظاهر في أمر مرتكز يقاس عليه، يشبه الجنون والبرص من الموانع أعم من الأربعة؛ فيشمل كل مرض ظاهر على الخلقة كالجذام، وكل مرض معد كالبرص، وكل ما تأنفه الطباع عادة ولا يقدم عليه في نكاح أو مانع من التمكين من الوطء المعلوم قصده في أصل النكاح إلا مع الرضا به، ويحتمل أنه أراد ارتكازا شرعيا في موارد خاصة وهي الأربعة المذكورة، وهو بعيد لا شاهد عليه؛ ولأنه لو كان واضحا لديه لما أقدم على السؤال عنها.
وأما إرسال الرواية عن ابن بكير واحتمال كونها من اجتهاداته لما ورد عنه عمله بالرأي، فهما أمران واردان إلا أنهما لا يرجحان هنا؛ لعدم قصور السند إلا بالإرسال وهو منجبر بإرساله عن الثقة المعتمد على حديثه، ولاحتياج الأمر الثاني إلى ما يدل عليه.
نعم قد يقال أن من الأخبار المفردة المتفرد بها، وهو صحيح في نفسه؛ إلا أنه يمكن التمسك به بعد ملاحظة باقي أدلة المسألة.
- صحيحة أبي عبيدة الحذاء: رد من كان بها زمانة ظاهرة
وفي علة رد القرناء روى الكليني عن عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ؛ وَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ جَمِيعاً، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ:
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ” فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ وَلِيِّهَا، فَوَجَدَ بِهَا عَيْباً بَعْدَ مَا دَخَلَ بِهَا.
قَالَ: فَقَالَ: «إِذَا دُلِّسَتِ الْعَفْلَاءُ[28]، وَ الْبَرْصَاءُ، وَ الْمَجْنُونَةُ، وَ الْمُفْضَاةُ، وَ مَنْ كَانَ بِهَا زَمَانَةٌ[29] ظَاهِرَةٌ، فَإِنَّهَا تُرَدُّ عَلى أَهْلِهَا مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ، وَ يَأْخُذُ الزَّوْجُ الْمَهْرَ مِنْ وَلِيِّهَا الَّذِي كَانَ دَلَّسَهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَلِيُّهَا عَلِمَ بِشَيْءٍ مِنْ ذلِكَ، فَلَا شَيْءَ[30] عَلَيْهِ[31]، وَ تُرَدُّ إِلى أَهْلِهَا».
قَالَ: «وَ إِنْ[32] أَصَابَ الزَّوْجُ شَيْئاً مِمَّا أَخَذَتْ مِنْهُ فَهُوَ لَهُ، وَ إِنْ لَمْ يُصِبْ شَيْئاً فَلَا شَيْءَ لَهُ».
قَالَ: «وَ تَعْتَدُّ مِنْهُ عِدَّةَ الْمُطَلَّقَةِ إِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا، وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا فَلَا عِدَّةَ لَهَا، وَ لَا مَهْرَ لَهَا».[33]
دلت على أن العفل والجنون والبرص والإفضاء -وهو اتحاد المخرجين- والزمانات، من مسوغات الرد؛ فإن كان بتدليس رجع بمهرها على من دلسها، وإلا فلا شيء له، إلا أن يكون أعطاها شيئا غيره فيرجع به عليها.
وبقوله: ” وَ مَنْ كَانَ بِهَا زَمَانَةٌ ظَاهِرَةٌ ” يدخل فيه كل مرض وعاهة مزمنة، أي مرت عليها الأزمنة كناية عن رسوخها وتأصلها في المريض تكاد لا تفارقه، ويصدق على الجذام والكساح والعمى وأمثاله لكن لابد من تقييدها بما له ربط ومناسبة للنكاح ومرغوباته لا مطلقا، ومعنى أنها ظاهرة إما بمعنى أنها واضحة تبان على المرأة وتلحظ، أو بمعنى أنها غالبة عليها، وهما متقاربان، أو ما يقابل العيب الباطن مما لا يراه الرجال، ويؤيده صحيحة داود بن سرحان الآتية، ولا يحتاج لاستشهاد النساء عليه، وهو الأقوى.
- صحيحة الحسن بن صالح: ترد من لا تحبل وينقبض زوجها من مجامعتها
ما رواه الكليني عن محَمَّد بْن يَحْيى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، قَالَ:
سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، فَوَجَدَ بِهَا قَرْناً؟
قَالَ: «هذِهِ لَا تَحْبَلُ، تُرَدُّ عَلى أَهْلِهَا، وَ يَنْقَبِضُ زَوْجُهَا مِنْ مُجَامَعَتِهَا، تُرَدُّ عَلى أَهْلِهَا[34]».
قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا؟
قَالَ: «إِنْ كَانَ عَلِمَ قَبْلَ أَنْ يُجَامِعَهَا، ثُمَّ جَامَعَهَا، فَقَدْ رَضِيَ بِهَا؛ وَ إِنْ لَمْ يَعْلَمْ إِلَّا بَعْدَ مَا جَامَعَهَا، فَإِنْ شَاءَ بَعْدُ أَمْسَكَهَا، وَ إِنْ شَاءَ سَرَّحَهَا إِلى أَهْلِهَا، وَ لَهَا مَا أَخَذَتْ مِنْهُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا».[35]
والقرن هو العفل، بينته صحيحة الكافي عن حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَمَاعَةَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: ” قَالَ فِي الرَّجُلِ إِذَا تَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ فَوَجَدَ ِهَا قَرْناً -وَ هُوَ الْعَفَلُ- أَوْ بَيَاضاً أَوْ جُذَاماً إِنَّهُ يَرُدُّهَا مَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا “، وتقدم التأمل فيها آنفا.
ومثل صحيحة الحسن بن صالح الصحيحة الأخرى عن مُحَمَّد بْن يَحْيى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي الصَّبَّاحِ[36]، قَالَ:
سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، فَوَجَدَ بِهَا قَرْناً[37]؟
قَالَ: فَقَالَ: « هذِهِ لَا تَحْبَلُ، وَ لَا يَقْدِرُ زَوْجُهَا عَلى مُجَامَعَتِهَا، يَرُدُّهَا[38] عَلى أَهْلِهَا صَاغِرَةً، وَ لَا مَهْرَ لَهَا ».
قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا ؟
قَالَ: «إِنْ كَانَ عَلِمَ بِذلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْكِحَهَا -يَعْنِي الْمُجَامَعَةَ- ثُمَّ جَامَعَهَا، فَقَدْ رَضِيَ بِهَا، وَ إِنْ لَمْ يَعْلَمْ إِلَّا بَعْدَ مَا جَامَعَهَا، فَإِنْ شَاءَ بَعْدُ أَمْسَكَ، وَ إِنْ شَاءَ طَلَّقَ ».
التعليل والدلالة الجمعية للأدلة:
والوصف في قوله ع: ” هذِهِ لَا تَحْبَلُ، وَ لَا يَقْدِرُ زَوْجُهَا عَلى مُجَامَعَتِهَا “، ظاهر في التعليل أو مشعر به؛ فتكون من بها عفل أحد أفراد المُعلَّل، ومصداقا لمن لا يقدر على مجامعتها الزوج لعيب في الفرج، وأما عدم الحمل فليس عيبا مستقلا بنفسه، بل هو بيان لعدم وصول الرجل إليها لتحصل نتيجة الجماع؛ وإلا لزم أن يكون العقم عيبا يرد به النكاح إذا سبق العقد، والروايات خالية منه.
وأما تفريغ الحكم عن معنى التعليل بحمله على التأنيب على إقدامه على الزواج منها أو بكونه حكمة للحكم، فمحتمل في نفسه، لولا ظهور الأخبار الكثيرة المختلفة في تعلق الحكم بعنوان ذو وصف وله جهة تعليلية أوجبت اتساع العنوان لأبعد من المصداق، وهذا من التمسك بالظهور الجمعي للأدلة وليس خروجا عن النصوص ولا تعديا عن المنصوص، ولولاه لرمي كلام الحجة بالعبثية والتخالف حاشاه، ومثله في الفقه والحديث كثير، مع أن أصل الدلالة لا تختص بآحاد الروايات بل كثيرا ما تنشأ من مجموعها بشرط أن توجب كثرتها العلم بالدلالة، وقد جرى على هذه الطريقة جماعة من الفقهاء الرواة ممن ذكرنا سابقا أنهم يفتون بالرواية لا يجتهدون في قبالها بل يجتهدون في جمع دلالات المروي ويجوز لهم نسبته للمعصوم قولا إذ لا يريدون نص اللفظ، منهم يونس بن عبد الرحمن والفضل بن شاذان ومحمد بن يحيى وابنا بابويه وغيرهم من الصالحين رحمهم الله ورحمنا أجمعين.
ما روي في العيوب المنفردة:
وهي لا تنافي ما دل على الحصر، منها:
- صحيحة قرب الإسناد: الرتقاء ترد
ما رواه الحميري في قرب الإسناد بسنده عن علي بن جعفر عن أخيه موسى ع: “وَ سَأَلْتُهُ عَنِ امْرَأَةٍ دَلَّسَتْ نَفْسَهَا لِرَجُلٍ وَ هِيَ رَتْقَاءُ، قَالَ: «يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَ لَا مَهْرَ لَهَا»[39].
وهي تعضد دلالة رواية ابن بكير وغيرها الدالة على التعميم لكل عيب مانع من الوطء؛ لأن الحصر في الطائفة الأولى تضمن عنوان العفل، فلما تكرر بغيره من عيوب الفرج، وانضم لها شاهد التعليل، تقوى ظهور التعليل في الحقيقة لا كونه من حكم التشريع التي لا يدور الحكم معها.
- صحیحة رفاعة: البرصاء ترد
ما رواه الكليني عن عدة عن سَهْلٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ مُوسى، قَالَ:
سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنِ الْمَحْدُودِ وَ الْمَحْدُودَةِ: هَلْ تُرَدُّ مِنَ النِّكَاحِ؟
قَالَ: «لَا».
قَالَ رِفَاعَةُ: وَ سَأَلْتُهُ عَنِ الْبَرْصَاءِ؟
فَقَالَ: «قَضى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي امْرَأَةٍ زَوَّجَهَا وَلِيُّهَا وَ هِيَ بَرْصَاءُ أَنَّ لَهَا الْمَهْرَ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا، وَ أَنَّ الْمَهْرَ عَلَى الَّذِي زَوَّجَهَا، وَ إِنَّمَا صَارَ الْمَهْرُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ دَلَّسَهَا؛ وَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً، وَ زَوَّجَهَا رَجُلٌ لَا يَعْرِفُ دَخِيلَةَ أَمْرِهَا[40]، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَ كَانَ الْمَهْرُ يَأْخُذُهُ مِنْهَا».[41]
وفي النوادر: عن فَضَالَة عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ مُوسَى قَالَ: ” سَأَلْتُهُ ع عَنِ الْمَحْدُودَةِ، قَالَ: لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا يَتَرَادَّانِ النِّكَاحَ، قَالَ: وَ لَمْ يَقْضِ عَلِيٌّ ع فِي هَذِهِ وَ لَكِنْ بَلَغَنِي فِي امْرَأَةٍ بَرْصَاءَ أَنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا وَ يَجْعَلُ الْمَهْرَ عَلَى وَلِيِّهَا لِأَنَّهُ دَلَّسَهَا “[42].
والأرجح متن الكافي لاحتمال النقص في نسخة النوادر، أو الإجمال مع اختلال معناها.
طرق الجمع بين الروايات:
وقد ذكر من طرق الجمع بين هذه الطوائف المتخالفة ظاهرا:
- حمل الحصر على كونه إضافيا وإضافة العمى والعرج والإفضاء والرتق والحد لما دلت عليه الأدلة الأخرى وهو المشهور.
- حمل النهي في «لا ترد» و «فأما ما سوى ذلك فلا» على الأعم من التحريمي والتنزيهي، بمعنى حمل لا تَرد أو لا يَرُد على الصيغة الفاعل، وكذا ” لا يرد الرجل “، أي لا يناسب الرجل أن يرد من العرج والعمى، بل يستحب له الإمساك أو الطلاق، وأما الأربعة فيرد بلا كراهة، وهو مختار شيخنا السيد حفظه الله.
- حمل الحصر على كونه حصر قلب إضافي، والباعث على القصر فيه التمثيل بأبرز الموانع دفعا لتوهم المخاطب إيجاب كل عيب للرد ؛ والدلالة الجمعية في الكل مفيدة للحكم بالرد في المذكورات وما أشبهها كالزمانات الظاهرة البيِّنة وما يمنع عن الوطء وتنفر منه طباع الأزواج فلا يقدم عليه بنو النوع، وهو المختار؛ وتعدد الروايات على وجه يمتنع فيه إسقاطها أو جمعها بالحمل الأول أو الثاني يوقفك على وجه تعين هذا الثالث إذا لوحظ المجموع.
* كتبه: محمد علي العريبي
[1] العفل: بالتحريك لحم ينبت في قبل المرأة يمنع من وطيها، و قيل هو ورم يكون بين مسلكيها.
[2] النوادر: 78/ ح171 ب16 التدليس في النكاح وما ترد به المرأة.
[3] التهذيب 7: 424/ ح4 ب التدليس في النكاح وما يرد منه وما لا يرد.
[4]الفقيه
[5] العَوَر: ذهاب حسّ إحدى العينين، و يقال: عَوِرَتِ العينُ عَوَراً، من باب تعب: نقصت، أو غارت، فالرجل أعور، و الانثى عوراء. راجع: لسان العرب، ج 4، ص 612؛ المصباح المنير، ص 437( عور).
[6] في الفقيه، ح 4498 و التهذيب، ح 1701:+« لا تردّ إنّما». و في الفقيه، ح 4496 و الاستبصار، ح 886 و النوادر للأشعري:+« لا يردّ إنّما». و في التهذيب، ح 1693 و الاستبصار، ح 880:+« إنّما».
[7] و في الفقيه:-« و العفل». و العَفَل و العَفَلة: شيء يخرج من قبل النساء شبيهة بالأدرة [وهو كيس الصفن الحاوي للخصية] التي للرجال. الصحاح، ج 5، ص 1769( عفل).
و في الوافي:« العَفَل محرّكة: شيء مدوّر يخرج بالفرج. قيل: و لا يكون في الأبكار، و إنّما يصيب المرأة بعد ما تلد. و معنى الحديث أنّه لا يردّ النكاح بالعور».
[8] التهذيب، ج 7، ص 424، ح 1693؛ و الاستبصار، ج 3، ص 246، ح 880، بسندهما عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبي، من قوله:« يردّ النكاح من البرص»؛ النوادر للأشعري، ص 78، ح 171، عن ابن أبي عمير، مع زيادة في آخره. و في الفقيه، ج 3، ص 433، ح 4498؛ و التهذيب، ج 7، ص 426، ح 1701؛ و الاستبصار، ج 3، ص 247، ح 886، معلّقاً عن حمّاد، عن الحلبي. الفقيه، ج 3، ص 433، ح 4496، بسند آخر عن أبي جعفر عليه السلام، و في الأربعة الأخيرة مع زيادة في آخره الوافي، ج 22، ص 559، ح 21709؛ الوسائل، ج 21، ص 209، ذيل ح 26910؛ و ص 216، ذيل ح 26932.
[9] النوادر: 78/ ح172 ب التدليس في النكاح وما ترد به المرأة.
[10] عنه في البحار: 104/ 12 ح 37 و المستدرك: 2/ 577 ح 5 و أخرجه في الوسائل:
14/ 601 ح 4 عن التهذيب: 7/ 406 ح 35 و ص 448 ح 4 عن الكافي: 5/ 355 ح 4 عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن معاوية بن وهب، مثله، متحد مع حديث( 172) متنا .
[11] تهذيب الأحكام 7: 425/ ح9 ب التدليس في النكاح.
[12] الاستبصار 3: 246/ ح2 ب حكم المحدودة.
[13] في نهاية المرام، ج 1، ص 331: «أمّا القرن فقيل: إنّه العفل، و به صرّح ابن الأثير في نهايته؛ فإنّه قال: القرن بسكون الراء: شيء يكون في فرج المرأة، كالسنّ يمنع من الوطء و يقال له: العفلة. و ربما يظهر من كلام ابن دريد في الجمهرة تغايرهما؛ فإنّه قال: إنّ القرناء هي التي يخرج قرنة رحمها، قال: و الاسم: القرن، و ضبطها محرّكة مفتوحة، و قال في العفل: إنّه غلظ في الرحم. و قال في القاموس: العفل و العفلة، محرّكتين: شيء يخرج من قبل النساء و حياء الناقة، كالادرة من الرجال. و لم أقف في كلامه على ذكر القرن، و الأصحّ أنّهما واحد، كما تضمّنته صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه، و الظاهر أنّ المراد منهما أن يكون في الفرج شيء من عظم أو لحم يمنع من الوطء». و راجع: النهاية، ج 3، ص 264؛ القاموس المحيط، ج 2، ص 1365 (عفل)؛ النهاية، ج 4، ص 54 (قرن). و في قول ابن دريد راجع: لسان العرب، ج 11، ص 457 (عفل).
[14] التهذيب، ج 7، ص 427، ح 1703؛ و الاستبصار، ج 3، ص 248، ح 889، معلّقاً عن الكليني. الفقيه، ج 3، ص 432، ح 4495، معلّقاً عن صفوان بن يحيى. التهذيب، ج 7، ص 425، ذيل ح 1698، بسنده عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه. الاستبصار، ج 3، ص 246، ح 882، معلّقاً عن الكليني بسند لم نجده في الكافي، و في الأخيرين إلى قوله:« و هو العفل» مع اختلاف يسير الوافي، ج 22، ص 563، ح 21719؛ الوسائل، ج 21، ص 207، ح 26905.
[15] في نسخة: من الفرج.
[16] دعائم الإسلام 2: 231/ ح865، فصل في ذكر الشروط في النكاح.
[17] دعائم الإسلام 2: 231/ ح867، فصل في ذكر الشروط في النكاح.
[18] الفقيه 3: 433/ ح4497 ب ما يرد منه النكاح.
[19] التهذيب 7: 424/ ح7.
[20] التهذيب، ج 7، ص 424، ح 1695؛ و الاستبصار، ج 3، ص 246، ح 881، بسندهما عن أحمد بن محمّد، عن المفضّل بن صالح، عن زيد الشحّام. و في التهذيب، ج 7، ص 424، ح 1696؛ و الاستبصار، ج 3، ص 246، ح 883؛ و النوادر للأشعري، ص 80، ح 179، بسند آخر عن أبي جعفر عليه السلام، و تمام الرواية هكذا:« تردّ البرصاء و العمياء و العرجاء». الفقيه، ج 3، ص 433، ح 4497، بسند آخر عن أبي جعفر عليه السلام، و تمام الرواية هكذا:« تردّ العمياء و البرصاء و الجذماء و العرجاء» الوافي، ج 22، ص 561، ح 21714؛ الوسائل، ج 21، ص 210، ذيل ح 26915.
[21] النوادر: 80/ ح179، ب16 التدليس في النكاح وما ترد به المرأة.
[22] الفقيه 3: 433/ ح4496 ب ما يرد منه النكاح.
[23] التهذيب 7: 426/ ح11 ب التدليس في النكاح وما يرد منه وما لا يرد.
[24] التهذيب 7: 424/ ح5 ب التدليس في النكاح وما يرد منه وما لا يرد.
[25] عنه في البحار: 103/ 364 ح 20 و المستدرك: 2/ 602 ح 1 و أخرج صدره في الوسائل: 14/ 594 ح 9 و ص 597 ح 6 و ذيله في ص 599 ح 1 عن التهذيب: 7/ 424 ح 5 و ص 434 ح 43 و الاستبصار: 3/ 246 ح 5 باسناديه عن داود بن سرحان عنه( ع) باختلاف يسير راجع ح 178.
[26] في الوافي: « يعني إذا كان قد دخل بها، كما يدلّ عليه الأخبار الآتية». و في المرآة:« حمل على ما بعد الدخول، و مع ذلك المشهور أنّه يرجع على المدلّس، كما سيأتي».
[27] الوافي، ج 22، ص 561، ح 21713؛ الوسائل، ج 21، ص 212، ح 26921.
[28] في التهذيب و الاستبصار:+« نفسها».
[29] الزمانة: هو المرض الذي يدوم زماناً طويلًا. المصباح المنير، ص 256( زمن).
[30] في الاستبصار:+« له».
[31] في التهذيب:« له».
[32] في الاستبصار:« فإن».
[33] التهذيب، ج 7، ص 425، ح 1699؛ و الاستبصار، ج 3، ص 247، ح 885، معلّقاً عن الكليني الوافي، ج 22، ص 562، ح 21718؛ الوسائل، ج 21، ص 211، ح 26919؛ و فيه، ص 208، ح 26909، من قوله:« إذا دلّست العفلاء» إلى قوله:« أهلها من غير طلاق».
[34] في الوافي:« إلى أهلها». و في الفقيه:-« و ينقبض زوجها من مجامعتها، تردّ على أهلها».
[35] الفقيه، ج 3، ص 433، ح 4499، معلّقاً عن الحسن بن محبوب الوافي، ج 22، ص 563، ح 21720؛ الوسائل، ج 21، ص 215، ح 26929؛ و فيه، ص 208، ح 26907، إلى قوله:« ينقبض زوجها من مجامعتها تردّ على أهلها».
[36] في حاشية بعض النسخ :+« الكناني».
[37] في الاستبصار:« فوجدها قرناء» بدل « فوجد بها قرناً».
[38] في الاستبصار:« و يردّها».
[39] قرب الإسناد: 249/ ح984 ب ما يجوز من النكاح، قرب الإسناد عن الكاظم ع.
[40] يقال: عرفت دخيلته، أي باطنته الداخلة، و عرفت دخيلة أمره، أي جميع أمره. راجع: لسان العرب، ج 11، ص 240( دخل).
[41] ( 7). التهذيب، ج 7، ص 424، ح 1697؛ و الاستبصار، ج 3، ص 245، ح 878، معلّقاً عن الكليني الوافي، ج 22، ص 561، ح 21715؛ الوسائل، ج 21، ص 212، ح 26920.
[42] النوادر: 79/ ح175 التدليس في النكاح وما ترد به المرأة.